[size=16]مثلما تذرف الثكلى دموعها..
علمتني الوحدة أن أذرف الصمت..
علمتني كيف أغدو على مستنقع صمتٍ أسكبته لواعجي..
أستقي منه لأعودَ إليّ..
عبثاً..
أسائل نفسي كلما تراءيت بين اثنتين، أيهما أنا؟
هل (أنايَ) ذلك الامتلاء الذي أسعى لإفراغه؟؟؟
أم هي ذلك الفراغ الذي أجهدُ في ملئه؟؟؟
أيتها الوحدة..
أيها الكائن الذي امتلك جسدي عنوة.. وأسلمني خدراً لنزواته الطائشة.. وغروره المترف!!
صرخاتٌ مخنوقة تستجدي الانفلات.. ومعركة ضارية تأبى أن ترفع راية الانهزام!!
أولّي على نفسي..!!
***
منذ صغري عشقتُ المرآة..
بيد أني لم أعشقها عشق النساء!!
كنتُ أتأمل تقاسيم وجهي الذي تسكنه الطفولة بشكلٍ لافت!!، وكأني بذلك الوجه يشي بتلك الطفلة التي تسكنني.. وتكبرُ فيّ ..
“وتكبرُ فيّ الطفولةُ يوماً على صدرٍ يومِ..”
درويش لحظة من فضلك:
“وتكبرُ فيّ الطفولة صمتاً على صدرِ صمتِ”..!! ما رأيك بهذه؟؟
***
كنتُ الابنة الكبرى البكر لعائلة صغيرة، أربعة أبناء.. بنتين وولدين..
ولذا فقد كبرتُ قبل أواني..
كنتُ أنتشي لإطراء الناس.. وأغدو كطائرٍ يختالُ منفوشَ الريش..
وما كنتُ أدري بأنني…..!!
الآن..
وها أنا وقد أوثقتني هذه العشرون بعقالها..
ترهقني النظراتُ والغمزات.. ويحدوني شعور حادُ الرغبة بالتقيؤ!!
مللتُ ذلك الجمود الذي ينقشُ ملامحي/ كياني/ جوانحي/ أحلامي.. حتى أصبحتُ تمثالاً منمقاً في عيونِ الناس!!
أمي..
مذ ولجتُ بوابة العشرين..
وطاقةٌ جامحة إخالها ستحملني للفضاء..
أو تنسفني كقنبلة ذريّة!!..
وقتٌ معدودٌ أداهنهُ بين هذين!!.. وبينهما أحاول أن ألملمني .. أن أجمعَ بقاياي المبعثرة هنا وهناك.. ما بين نفسي والآخرين..
آه.. ليتكِ تدركين..
***
أريدُ أن أحلم..
أن أطير..
أن أغني كالأطفال.. أن أحبّ مثلهم .. ببراااااااءة!!
أن أرسمَ دربي بيديّ.. وأخطوه بثقة فارهة..
أريدُ أن أقتلع كاميرات المراقبة..!!
أتساءل.. لماذا الأنثى في مجتمعاتنا تعدّ كائناً مشبوهاً؟؟؟!!
مهلاً..
كاميرات المراقبة البشريّة..!!
يستفيضً بي يقينٌ عارمٌ أن من لا يعرفُ الله في سرّه.. فلن يرعويَ في جهره!!
فلمَ التشدّقُ إذنْ؟؟!!
لستُ ممن يتعالى على النصيحة.. كفاني بها أنّها شرعٌ ارتضاه الله لعباده..
ولكن.. ثمّة أناسٌ كالعملات..
ناصحون / شامتون..
وثمّة مشفقون / فضوليون..
وتتوالى قائمة المثنيات..
أيتها المدينة ماذا فعلتِ بنا؟؟
كنّا ولا نزال مجتمعاً قبلياً.. بيد أنّ المعايير اختلفت، ورثنا عاداتنا وتقاليدنا أباً عن جدّ..
لكننا..
بتنا نجرعها من وحي المدنيّة المعقّد.. لتغدوَ أكثرَ حضارة..!!
نتعجّب.. كيفَ تتولد المتناقضاتُ في حياتنا؟؟!!
***
أمي..
كم أشعرُ بالبرد!!
وفي الوقتِ ذاته أشعرُ بأنّي أحترق!!
قولي لي: هل يجدرُ بي أن أصرخ بملء فمي لتعلمي كم أنا أحتاجك؟؟
تعبت.. تقرحتُ من صمتٍ أذرفه!!
في كلّ يومٍ .. أطلّ من نوافذِ غربةٍ أسرتني وأنا بين أهلي..
أقف على أطرافِ الحنين .. والحبّ.. وأحاول تسلقَ أسوارها المتعاظمة عُمُراً على إثرِ عُمُر!!..
أتعلمين..
بتّ أخشى الأمومة..
بقدرِ ما تملؤني رغبةٌ شاهقة لأن أحضن طفلاً..
دوماً أسأل نفسي، أترايَ أستطيعُ أن أروّي طفلي حناناً طالما ظمئتُ إليه؟؟
لا أدري..
***
نشأتُ في بيئة باذخة الثقافة..
أبي وأمي يحملانِ شهاداتٍ عليا في مجالات علميّة دقيقة..
أمضيتُ الكثير من طفولتي في بيتِ جدتي..
ومنذ صغري كانت تستثيرني دقائق الأمور.. أتفاعل مع أبسط الأشياء.. حتى إنني كنتُ أكلّم الأشجار والحيوانات..
وتطورت معي تلك الحالة.. فأصبحتُ أكلم الجدران والمرايا..!!
أمي كانت تزجرني..
وإخوتي يطلقون عليّ لقب (المجنونة)!!..
ومع ذلك لم أبالي..
لستُ أفهم سبب حنقهم الشديد، وتهكمهم الأكثر شدّة.. مع أني ببساطة لم أؤذِ أحداً!!!
هكذا كانت فلسفتي التي ربيتُ عليها ولم أعيها إلا في كبري، هو أنني لا أريدُ أن أؤذيَ أحداً..
ولذا.. انطويت على ذاتي.. وتملكني الكتمانُ لدرجة إخالها مرضاً..!!
كثيراً ما كنتُ مستودعاً لأسرارِ الآخرين..
وما كنتُ يوماً آمنُ أحداً على سرّي.. سوى مرآتي وجدرانِ غرفتي..!!
ومخدّة سريري المتخمة بالذكريات والرسائل والدموع!!
أفكرُ كثيراً في الحزن.. ذلك الذي يسكنُ الإناث غالبهنّ.. وأكادُ لا أجدُ له مبرراً.. حتى مع نفسي!!
فكيفَ استوطنني؟؟..
للفرحِ وجوه.. ولحظة أسرقها من حلمٍ يمرّ بي خطافاً..
أبصره (هو) بملامحه الرجوليّة الباهرة.. وقلبه الذي يفوق الغيمَ رقّةً .. وبياضاً..
ذات مرّة سألتني إحدى زميلاتي وقد قرأت قصيدة: (وبيني وبينك جسرُ الدعاء):
“تعشقين من ورانا.. اعترفي ولاّ بفضحك” !! – ضحكنا معاً-..
أجبتها: هي لرجلٍ أعرف عنه كلّ شيء.. إلا أمراً واحداً: هل يعيشُ على سطحِ الأرضِ أم لا؟؟..
***
عندما أسطّر مذكراتي ينتابني شعورُ غريب.. مزيجٌ من النشوة والكآبة..
أزفرُ بشّدة.. وأردد: يا الله..
سؤال أخير يعصفُ بي:
كيفَ سيكونُ حجمُ ضياعنا لو لم نكن مسلمين؟؟
:: انتهى::
خالدة بنت أحمد باجنيد
[/size]