خيوط الفجر تزحف على القريه النائمه في حضن الهور, نسيم رطب يعبق برائحة الطين والتبن يداعب خصلات شعر ليلى, التي تحاول ربطها تحت الوشاح الاسود الذي تلتفع به
والنعاس لايزال راقد في عينيها الجميلتين, هذا هو يومها الاول في الرعي ,فبعد مقتل اخيها الغامض على الطريق العام المعبد لم يتبقى سوى والدها الكفيف وامها واخواتها الصغار ,امل ونوره
اربع غنيمات لاغير هي كل ماتملك تلك العائله بعد عودتها الى الوطن الاصلي الذي دبت فيه الحياة بعد جفاف وانتظار, وكانت العوده فرحة لاتوصف وكانت الصدمه شعورا لايصدق فالوطن الصغير هذا ليس كما كان والمياه فقدت صفائها وروعتها والاسماك ماعدت شهيه وحلوه بل مره كطعم الحياة الجديده ياله ظلم الانسان لاخيه عندما يمتلك القوه فيسخرها حتى ضد الطبيعه
الجميله التي خلقها الله هبة لبني البشر,
الاهوار لم تعد تلك الجنه الخضراء , مملكة لطيور النورس واللقالق الجميله وطيور الماء البراقه , مملكه للناس البسطاء من شعراء شعبيين ومطربين الفطره وشاعرات المدح
وتلك البيوت والمضايف البسيطه اختفت ولم تعد كما كانت , فعائلة ليلى تفترش الفضاء للنوم في الصيف وتحتمي تحت سقف واهٍ في الشتاء.
تناولت عصى وساقت الغنمات امامها وهي تدندن بحزن وصوت امها من خلفها تنطرها بالنصائح الضروريه ليومها الاول في الرعي ,
فتاة غضه ذات خمسة عشر عاماً , مشت وهي ترتدي جوربها الصوف الممزق وتقطع الطريق الجاف في الهور الحزين الصامت , والغنمات امامها تجري تارة وتهدئ سيرها تارةً اخرى,
تنظر نحو السماء ثم تخفض بصرها نحو الارض , كانها تبحث عن شئ ضائع ,ربما هو حياتها / مستقبلهــــا
كانت تتمنى ان تتعلم مثل اخيها , فطالما كانت تتصفح كتبه وتتخيل نفسها تجري مع قريناتها الى مدرسه القريه عندما كانت القرية (قرية) تعج بالناس والحياة .
ولكن اه تخرج الآه من صدرها حزينة مفجوعه وتواصل هش الغنمات وتطوقها بالعصى لتحشرها في زاوية غزيرة العشب , حتى تأكل وتجلس هي لتستريح,
وفجأه جفلت وارتعشت ماهذا . وسط السكون زورق صغير جديد الصنع فالقير الاسود الذي يطليه مازال براقاً وتهادى الى سمعها صوت ناي حزين جدا يتهادى مع الزورق وهو يشق الماء الضحل بصعوبه. ماذا تفعل.هل تختبئ ؟ كيف والاغنام اصواتها التي جلبت انتباه فتى الزورق والناي فسكت عن العزف واوقف الزورق وخاض في الماء حتى وقف امامها فجأه. هي غير اللذي تصور كان يظنها رجلا او شابا من اهل السلف, فيتسامر معه ويشاركه في صيد السمك.ولكنه وجد نفسه امام فتاة غضه ترتجف وعيون حيرى توشك ان تذرف الدموع وصوت مختنق بكحه مسطنعه . فقال بصوت رقيق لمذا انتِ خائفه كنت اضنك رجلا واسف ورحل , شعرت بالراحه وبخوف اخذت تسترق النظر اليه , وتمنت لو اطال الحديث معها وعندما عادت لم تكلم احدا عن الفتى ونامت مع احلامها واسرعت في الصباح الثاني وكلها امل ان تراه مره اخرى وتعمدت ان تقف على حافة النهر وسمعت من بعيد صوت الناي وعبر الزورق وهي تنظر اليه وابتسم لها وتكررت الحكاية وهي تراقب فتاها وفجأه لم يعد هناك صوت ناي ولا صوت زورق يخترق الماء بهدوء ومرت الايام وطال الانتظار وامتلأ القلب الصغير بالحزن والهم والتساؤل وتكاثرت الاغنام وكبرت ليلى واصبح الشوق انضج , لكن دون جدوى , هل كان فتاها الاسمر سراب مر واختفى . مذا حصل للحلم البرئ , هل كثير على الايام ان تبتسم لها ولو في غفله من زمن الحزن اختفى الحلم والامل وبقى التساؤل,
ذات يوم
هذا اليوم لم تذهب لرعي الاغنام كالعاده فامها في شهرها التاسع ويجب ان تذهب معها الى مستشفى القريه سارتا معا وفي داخل العياده رأته فتاه الاسمر صاحب الناي اجل انه هو
لم ينظر اليها ولكنها رأته بوضوح كيف تنساه وهو اول طارق لقلبها الغض ومشاعرها العذراء , هو هو ولكن كان على كرسي متحرك بلا ساقين وذلف الى غرفة الفحص كتبه عليها معالجة ضحايا الالغام
هي لم تستطع قرائة ماكتب على باب تلك الغرفه لكنها ظلت تودعه بعيونها في صمت وقد غاصت تلك العيون في بحر من الدموع لقد ذبح حبها وهو لم يزل في المهد
كيف لا ونحن في زمن الذبح
تحياتي