شهد العراق إبان فترة الثلاثينات من القرن الماضي، ظهور حركة واسعة النطاق لتأسيس نواد وجمعيات ذات طابع ثقافي ورياضي في الظاهر، ولكنها ذات طابع سياسي وطني في الباطن، ومن هذه النوادي، نادي المثنى في بغداد ونادي المهلب في البصرة ونادي الجزيرة في الموصل، وجميع هذه النوادي قامت بنشاطات سياسية وطنية وقومية وساعدت على لم شمل الشباب وتوجيهيهم وجهة تساعدهم في خدمة بلدهم وأمتهم.
• ففي الموصل بادر عدد من الشباب بتأسيس نادي الجزيرة الذي قدر له أن يستمر في نشاطه قرابة أربعين عاما.وتؤكد الوثائق التاريخية أن صاحبي فكرة إنشاء النادي هما عبد الجبار الجومرد (محام) ونجم الدين جليميران (مدرس). وقد شعرا بالحاجة إلى إنشائه ليكون ملتقى لشباب المدينة ومثقفيها يجدون فيه مجالهم الرحب في ممارسة نشاطاتهم الثقافية والاجتماعية والرياضية بدلا من قضاء أوقات فراغهم في المقاهي والمجالس الخاصة.
• وفي الأول من كانون الأول 1935 تقدم عدد من الشباب بطلب إلى وزارة الداخلية يرمون فيه إنشاء نادي اجتماعي وثقافي. وهؤلاء الشباب هم .. عبد الجبار الجومرد ونجم الدين جلميران وبشير حديد (محام) ويوسف زبوبي (طبيب) وبشير الدليمي (مدرس) وعبد الرحمن أمين أغوان (مدرس) وعبد الجبار إسماعيل (مهندس) ونوئيل رسام (محام) . وقد اختار المتقدمون اسم نادي الجزيرة اعتزازا منهم بإقليم الجزيرة الذي تقع الموصل ضمنه, وتضمن الطلب لائحة بالنظام الأساسي للنادي والمؤلف من (11) مادة، وقد نصت بعض المواد على أن النادي يعمل على تشجيع الروح الرياضية والأدبية بين الشباب وانه يتوسل لتحقيق أهدافه بوسائل عديدة منها إلقاء المحاضرات وعقد الندوات وتمثيل المسرحيات وتنظيم الألعاب الرياضية.
• وبعد أن استفسرت المتصرفية من مديرية شرطة لواء الموصل عن أعضاء الهيئة المؤسسة للنادي والتحقق من أنهم من (ذوي السمعة الجيدة ولا تشوبهم شائبة)، أجابت وزارة الداخلية التي وافقت على تأسيس النادي في الأول من آذار-مارس سنة 1936.
• رحب المثقفون في الموصل بتأسيس النادي، ونشرت الصحف مقالات تشد فيها على أيدي الأعضاء المؤسسين للنادي فهذه جريدة البلاغ تقول:" أنا انظر إلى هذا المشروع بعين الاحترام لمبادئه ولشخصياته القائمة بتأسيسه ونتمنى تحقيق أمانيه في خدمة البلاد". أما سعدي خليل الموصلي فنشر مقالة في جريدة فتى العراق أوضح فيها همة وحيوية وإخلاص شباب الحدباء وأشاد بغيرتهم القومية.. وعبر الشيخ بشير الصقال في مقال نشره في جريدة فتى العراق كذلك عن درجة الفرح التي استقبل به تأسيس النادي من قبل العناصر الوطنية القومية التي رأت فيه نهوضا للبلد وقضاءا على أسباب الضعف والركود.
• جرت الانتخابات لأول هيئة إدارية، فأصبح عبد الجبار الجومرد رئيسا للنادي، ونجم الدين جليمران سكرتيرا له وضمت هيئته الإدارية كل من يوسف زبوني نائبا للرئيس ونوئيل رسام أمينا للصندوق وعبد الرحمن أمين أغوان مديرا للألعاب وعبد الجبار إسماعيل وبشير حديد (أعضاء).
• ازداد إقبال الشباب على النادي، واختارت الهيئة الإدارية قاعة ثانوية الموصل مقرا مؤقتا للنادي، ثم أصبح له مقر ثابت قرب المحاكم. وقد نشط النادي في الإسهام في كل الفعاليات الأدبية والسياسية وأقام في 19/ آذار / 1936 احتفالاً كبيرا لمناسبة تأسيسه واصدر مجلتين كان لهما دورهما في إنهاض حركة الصحافة الموصلية هما (المجلة) التي صدر عددها الأول في تشرين الأول 1938 و(الجزيرة) التي صدر عددها الأول في مايس-مايو 1946، وكان للنادي صلات مع النوادي المماثلة في العراق وخارجه، ومن هذه النوادي نادي المثنى ببغداد ونادي بردى بدمشق.
• أقام النادي نشاطات ثقافية عديدة منها احتفالية لتأبين الشاعر جميل صدقي الزهاوي وحفل تكريمي للشاعر الموصلي أبو تمام الطائي وحفل تكريمي آخر للمؤرخ الموصلي عز الدين بن الأثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ
• كما أسهم النادي في النشاطات الوطنية والقومية التي شهدتها الموصل منذ الثلاثينات وكان له دور كبير في بث الفكر القومي العربي وترصين الحالة الوطنية لدى الشباب الموصلي، وخلال الأربعينات من القرن الماضي تجاذبت النادي مجموعتان الأولى قومية والثانية يسارية وجدت لها طريقا من خلال مجلة ( المجلة )..واثر فشل ثورة مايس 1941 اعتقل عدد من أعضاء النادي وخاصة من ذوي التوجهات القومية .. ومع أن النادي استمر في نشاطه حتى أواسط السبعينات إلا انه فقد هدفه الأساس وتحول إلى ناد ذو طابع اجتماعي ترفيهي بحت،حتى أن مديرية التحرير في محافظة نينوى أنذرت هيئة إدارة النادي في 16 تموز 1975 إلى وجوب الالتزام بالأهداف التي أسس من اجلها النادي .. ومهما يكن من أمر ، فان ذكرى نادي الجزيرة ( الموصلي )قد وقرت في الأذهان على انه كان ناديا وطنيا قوميا أسهم في تنشيط العمل السياسي والثقافي في الموصل إبان حقبة مهمة من التاريخ المعاصر .